تعلمنا في كتاباتنا السابقة أن:
- يشرح علم الأمور الأخيرة الإسلامية ( علم آخر الزمان ) تفاصيل الأحداث بدءآ من النبي محمد صلي الله عليه وسلم حتي يوم القيامة في جدول زمني قابل للقياس
- يمكن تقسيم هذه الأحداث / العلامات إلي فئتين رئيستين ، أي العلامات الصغري والعلامات الكبري
- لقد درسنا جيدآ أن جميع العلامات الصغري قد أكتملت والأن حان وقت العلامات الكبري .
- العلامات الكبري أربع : ١- الإمام المهدي٢- المسيح الدجال ٣- عودة المسيح سيدنا عيسي عليه السلام ٤- يأجوج ومأجوج
تتطلب العلامات الكبري التفاصيل والإهتمام من القراء. نظرآ لأن هذه الأحداث لم تحدث بعد وإننا نتحدث عن المستقبل ، فقد يكون لدي القارئ انطباع بأننا نفترض أشياء . لكن تجدر الإشارة إلي أننا لا نتحدث عن افتراضات . سنقدم مراجع أصلية صحيحة من أقوال رسول الله الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم . سنقدم أيضآ مراجع للأحداث والسيناريوهات الجغرافية السياسية عندما نحتاج إلي الرجوع لنقاط البيانات .
قبل أن نثبت ما إذا كان شخصية إذا كان الإمام المهدي مخلصآ قد تم إثباته من القرآن والحديث الصحيح أم لا ، دعونا نحاول فهم الحاجة إلي مثل هذه الشخصية . إن مفهوم الإمام المهدي مذهل بقدر ما هو مرغوب فيه .أدناه سوف نتعلم كيف !
الغرض من البشر علي الأرض
خلق الله مخلوقات كثيرة قبل البشر . الأرض ، السماء ، الملائكة ، الطيور ، النباتات وجميع أنواع المخلوقات الحية والغير حية . اختلفت خصائصهم وتفاصيلهم جميعآ ، إلا أن شيئآ واحدآ كان مشتركآ ، أنهم جميعآ سجدوا لله ولم يكن لديهم القدرة علي عصيان أوامره
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوت وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ آية (١) سورة الحديد
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَفّتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ آية (٤١) سورة النور
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا آية (٤٤) سورة الإسراء
لكن عبادة كل هذه المخلوقات تخلو من العاطفة والمحبة بسبب الإكراه . لقد خلقهم الله بحيث لا يستطيعون فعل شئ غير ما أمروا به
مثال علي ذلك في عصرنا آلة الغسيل التي تقوم بعملك علي الفور . الآلة التي تغسل ملابسك ألف مرة لا تستحق الثناء واللطف اللذان يمكن لطفلك أن يحصل عليهما بإحضار كوب من الماء لك والسبب الرئيسي لذلك هو أن الغسالة ليس لديها خيار سوي الإستماع إليك وهي مصممة للقيام بالغسيل ، في حين أن الطفل لديه خيار لذلك فإن الطفل يستحق الثناء والمكافأة لمنحة الأولوية لقيادتك علي ما يشتت انتباهه وقت اللعب. وكذلك الحال مع مخلوقات الله . والرائع أن الشمس والقمر يسبحان الله تعالي ، كما أن صحيح أن الأشجار والنجوم تسجد لله ، ولكن لا معني لأجوره علي مدحهم وسجودهم
لذلك ، فقد خلق الله رحمته اللامحدودة وأجره اللامتناهي ، مخلوقآ أنعم الله عليه صفة ” الإرادة ” وكان ذلك المخلوق الجن
قبل الجن خلق خير خلق الله الملائكة الذين خلقهم الله من نوره ، لقد خلق الجن من النار – ثاني أفضل شئ بعد الملائكة . تم إرسال هؤلاء الجن إلي منصة اختبار خاصة تسمي الأرض
بسبب أصل النار ، تبين أن الجن أكثر نوعآ شرآ وأكثر تدميرآ من البناء
ملأوا الأرض بالفتنة والفساد والذبح وإراقة الدماء . فبدلآ من معرفة الله ، عبدوا شهواتهم وابتعدوا عن سبب خلقهم
أرسل الله ملائكته فدفعوا هؤلاء الشياطين العاصية إلي أركان الأرض ، لذلك كان من بين الجن من اليقظة ، عرف ربه ، وجعل حياته عبادة لله وبفضل نعمته الخاصة رفعه الله إلي مرتبة خاصة في مرتبة الملائكة . كان اسمه إبليس لكن بشكل عام لم يكن الجن يستحق أجر الله تعالي بسبب الأذي الذي ارتكبه
ربنا سبحانه وتعالي قرر أن يخلق مخلوقآ أخر ، أي البشر لمنحهم رحمته اللامحدودة
اِنَّا عَرَضْنَا الْاَمَانَةَ عَلَى السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ وَ الْجِبَالِ فَاَبَیْنَ اَنْ یَّحْمِلْنَهَا وَ اَشْفَقْنَ مِنْهَا وَ حَمَلَهَا الْاِنْسَانُ-اِنَّهٗ كَانَ ظَلُوْمًا جَهُوْلًا (الاحزاب۔۷۲)
الإنسان مخلوق غريب لقد خلق من أصل كان أحقر أي من تراب الأرض التي خلق الله منها الطيور والحيوانات ، لا شئ من المخلوقات الواعية .
وهذه التربة أصبحت أحيانآ نموذجآ للازدراء تحت أقدام الحيوانات ، فكان الجن يمشي عليها وأعطاها رسالة ازدراء ولكن من يعرف حكمة الله تعالي
لقد قرر الله أن يخلق مثل هذا المخلوق العالي المرتفع من هذه الأرض الرديئة علي الرغم من أصله المتواضع ؛ علي الرغم من القدرة علي العصيان؛ بالرغم من الشهوات والرغبات وبالرغم من الحاجات المادية والنواقص عرفت خالقه وصار أشرف خلقه .
أعطي الله هذه الخليقة اسم ” إنسان ” أي البشر ثم أعلن لمخلوقاته القريبة الملائكة
من البقرة آية (٣٠)
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ
وكانت الملائكة علي علم بما يفعله الجن قبل الإنسان عندما أكتشفوا أن كائنآ قويآ علي وشك أن يولد في الأرض ، قالوا علي الفور
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ
لكن الله علم أن هذه المخلوقات التي خلقت من مادة وضيعة ستنعم في النهاية بالنعم التي حرمها الجن بسبب جهلهم لذلك قال الله تعالي :
إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
الحكمة الحصرية التي لم يكشفها الله للملائكة نزلت لاحقآ في القرآن هذا ، سوف يتعرف الإنسان أخيرآ علي ربه بالطريقة التي من المفترض أن يتعرف عليها وسيرفع نبينا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي أفضل رتبة للأي خليقة وهي رتبة محمود
وفقآ لهذه الحكمة الخالصة ، أمر الله الملائكة بعد خلق آدم مباشرة بالسجود لآدم عليه السلام. البقرة آية (٣٤)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
لم يكن هذا عبادة ، بل كان عملآ من أعمال الإحترام .بعبارة أخري ، كان أمر الله أنه من اليوم فصاعدآ ظهر مخلوق مكانه أسمي عند الله ، لكن هذا كان غير مقبول لإبليس
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
كان الله يعلم نية إبليس ، لكنه سأل عنها إبليس : الأعراف آية (١٢)
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ
لذلك أعلن إبليس علي الفور كبريائه وكرهه للإنسان
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
نتيجة الوقاحة في حضور حاكم الأرض والسموات ، سار الوحيد من الجن الملعون في حكم الله
الأعراف آية (١٣) :
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ
هنا تحدي إبليس الله : الأعراف ١٦-١٧
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
ونتيجة لهذا التحدي ، بينما أعلن الله عزوجل عذاب أتباع إبليس ، كما أعلن للإنسان بعض الإمتيازات التي لم تكن متاحة للجن : الأنبياء ١٨
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
بالمقارنة مع شر إبليس ، فقد أنعم الله علي الإنسان بميزة خاصة عنه حتي يتمكن الإنسان من أداء حقه في مكانة أعظم الخليقة ؛ حتي يتمكن الإنسان من تجاوز الجانب المادي ؛ يتحدي الإحتياجات المادية والرغبات ؛ ويؤدي واجبه في عبادة خالقه الله تعالي
هذه الحكمة الخاصة هي ” المعرفة الإلهية ” التي رزق الله بها الإنسان من خلال أنبيائه ورسله
لقد كان الأنبياء والرسل يأتون إلي البشر في كل عصر .
كانت هناك أوقات كان فيها العديد من الأنبياء حاضرين علي الأرض في وقت واحد . في مكان كان إبراهيم عليه السلام وفي مكان أخر كان لوط عليه السلام . وبعد ذلك سقطت رحمة الله علي بني إسرائيل . في حالتهم بعد موسي كان هناك سلسلة متصلة من الأنبياء .بمجرد وفاة أحد الأنبياء ، أرسل الله نبيآ جديدآ
علي الرغم من هذا التوجيه الإلهي ، ظل معظم الناس جاهلين بالحقيقة واختاروا أتباع إبليس . فقد ارتبط اليهود بالله نبيهم عزرا ( عليهم السلام) ، وكان المسيحيون يسمون نبيهم عيسي ( عليهم السلام ) ابن الله
نعوذ بالله
لم يستطع تقصير الإنسان وعصيانه أن ينقص من رحمة الله اللامتناهية
الله برحمته الخاصة أوصل قصد خلق الإنسان إلي إتمامه بخاتم الرسل نبينا محمد صلي الله عليه وسلم .
نحن المحظوظون الذين من خلالهم سيضرب الله الباطل بالحق إن شاء الله . إن الأمة الإسلامية هي الأمة المباركة التي يرسل الله من خلالها رسالة واضحة لأهل الباطل والأمم السابقة بأنني بعثت كثيرين من الأنبياء ولكنكم لم تصغوا للنصيحة ، ونزلت عليكم بركات لا تحصي .
أحيانآ أرسل المطر ، وأحيانآ كنت أضع السحابة لظلك ، وأحيانآ أرسلت نبيآ ولد بمعجزة ، لكنكم لم تتبعوا الحق .
لذلك سأفي بأمري مع أهل أخر الرسل
علي الرغم من كونها بعيدة كل البعد عن الرسالة الإلهية ، فإن هذه الأمة ستكون أمة مباركة لن تتحد علي التوحيد فحسب ، بل ستؤسس نظام الخالق علي الأرض كلها حتي بدون وجود نبي بينهم
بعد حوالي ٦٠٠ عام من مغادرة المسيح عيسي عليه السلام لهذا العالم ، تم إرسال النبي محمد صلي الله عليه وسلم خلال تلك السنوات الستمائة أو نحو ذلك ، ربما لم يكن هناك خادم واحد علي وجه الأرض سيكون موحدآ بعد الآن . لقد مضي ما يقرب من ألف سنة ونصف علي مغادرة النبي محمد صلي الله عليه وسلم هذا العالم .
ولكن بفضل الله ورحمة الله الخاصة ، فإن غالبية الأمة الإسلامية موحدون حتي اليوم . وبسبب هذا الإنفصال عن النبوة ، ظهرت بالتأكيد عيوب ونواقص ونقاط ضعف ، ولكن بحمد الله ستزيل هذه الأمة هذه النواقص وتؤسس نظامآ عالميآ واحدآ ، وحكومة عالمية واحدة[1]صحيح أحمد – بأمر الله
الغاية الإنسانية تتحقق من خلال الإمام المهدي (ع)
البشر الذين لم يتمكنوا من فهم الحق في حضرة العديد من الأنبياء ، كيف سيدركون الحقيقة وهم بعيدين عن النبوة ؟ كيف سيكمل عامة الناس الرسالة التي بدأها الأنبياء ؟
الله له نعمة خاصة علي هذه الأمة ، لن يرسل الله الأنبياء والشريعة الجديدة بعد نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، بل سيستمر في تكليف بعض أهل هذه الأمة بمسؤولية المصلحين
يقول أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال
“إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا “۔ [2]رواه أبو داود، رقم/4291
الإمام المهدي ( عليه السلام ) هو الشخص الذي من خلاله يحقق الله الغرض الذي من أجله خلق الإنسان علي الأرض
عن علي رضي االله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث االله رجلا من أهل بيتي، يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا. [3]أخرجه أبو داود واحمد وابن أبي شيبة وهو صحيح
عن تَميم الداري -رضي الله عنه-، قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ليَبْلغنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهارُ، ولا يترك اللهُ بيت مَدَر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعِزِّي عزيز أو بذُلِّ ذليل، عزا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر» وكان تميم الداري، يقول: قد عرفتُ ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب مَن أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصَّغَار والجِزية. [4]صحیح رواہ احمد
وهكذا يكون الإمام المهدي هو الذي سيؤسس خلافة الله علي الأرض . لن يقتصر هذا الأمر علي الأرض، بل سيتم إنشاؤه في جميع أنحاء العالم ، وبالتالي تحقيق الغرض من الإنسان علي الأرض
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أويس نصير
٢ أغسطس ٢٠٢٢ م
٣ محرم ١٤٤٤هجري